العالم الراحل حمدا ولد التاه هو عالم وأديب وشاعر موريتاني، كان حضوره مشهودا على منابر الإفتاء والدعوة والتوجيه لعقود عديدة. عمل على إثراء "فقه الواقع" وساهم في تطوير "فقه نوازل المصارف الإسلامية"، ومارس التدريس، وتقلد العديد من الوظائف السامية في بلاده، وشارك في العديد من الندوات والمؤتمرات الدولية.
المولد والنشأة
ولد حمدن ولد التاه سنة 1933 في ضواحي المذرذرة بالجنوب الغربي الموريتاني، ونشأ في أحضان أسرة علم وتقى وصلاح ومكانة روحية، حرصت على تعليمه وتربيته، فنشأ شاعرا وأديبا وعالما ومرشدا.
الدراسة والتكوين
نشأ في بيئة علم وتعلم ومحيط يتعاطى أهله العلم والأدب مذاكرة وتدريسا ومطارحة، فقرأ متون الفقه الإسلامي واللغة العربية بنحوها وبلاغتها، وأضاف إلى ذلك المنطق وعلم الكلام ودراسة الأصول.
استوعب المتون التقليدية للمحظرة الموريتانية (الكتاتيب)، فتخرج في محظرة أسرته عالما بالفقه واللغة، وكان نبوغه واضحا في مجال ما عرف في المحاظر الموريتانية يومئذ بالعلوم العقلية، مثل المنطق وعلوم التوحيد والعقيدة.
وبعد استكماله الدراسة المحظرية انتقل إلى الدراسات المعاصرة في مجال الفقه الإسلامي وعلوم اللغة العربية، فابتعث إلى تونس سنة 1961 ضمن بعثة تكوينية لمدة عام حصل خلالها على شهادة مهنية في التدريس.
الوظائف والمسؤوليات
التحق بسلك التعليم سنة 1957 قبل استقلال موريتانيا، ثم تلقى تكوينا في تونس على التدريس، وبعد عودته منها عُيّن أستاذا للغة العربية والعلوم الإسلامية في معهد الدراسات الإسلامية في مدينة بوتلميت.
في الفترة 1971-1975 شغل منصب مدير التوجيه الإسلامي، ثم وزيرا للشؤون الإسلامية في الفترة 1975-1977، ثم سفيرا مكلفا بالشؤون العربية والإسلامية بوزارة الخارجية، ثم مديرا للتوجيه الإسلامي سنة 1978 حتى تقاعده سنة 1988.
بعد تقاعده من الوظيفة العمومية تقلد بعض المناصب السامية في الهيئات الدستورية في البلاد، فعين سنة 1997 عضوا بالمجلس الإسلامي الأعلى (هيئة دستورية استشارية عليا)، وعضوا بالمجلس الأعلى للفتوى والمظالم سنة 2012، كما انتخب أمينا عاما لرابطة العلماء الموريتانيين.
تركز نشاطه بعد التقاعد على العمل الاستشاري في مجال المعاملات الإسلامية، فعمل مستشارا شرعيا لعدة هيئات مالية ومصرفية، من بينها بنك البركة الإسلامي في موريتانيا، والبنك الإسلامي الموريتاني "موريس بنك"، والصناديق الشعبية للادخار والقرض.
التوجه الفكري
عرف بتوجهه الفكري الإسلامي الحداثي، وكان أحد الفقهاء الموريتانيين الذين دعوا إلى التجديد والنزوع إلى الاجتهاد في إطار النص الشرعي، لإيجاد فقه يراعي الضوابط الشرعية ويستجيب لمتطلبات الحياة المعاصرة.
التجربة العلمية
بفعل بحثه عن صيغ المواءمة بين حاجات المسلم المعاصر ونصوص الشرع، ركز على البعد المقاصدي في الأحكام الشرعية لاستنباط أحكام تمكن المسلمين المهاجرين من الانسجام مع المجتمعات غير المسلمة بدون التفريط في عباداتهم.
كما ركز بحثه في مجال المعاملات الإسلامية على صيغ تشجع البنوك على المعاملات الإسلامية، فكتب عدة دراسات في هذا المجال، وساهم في وضع الأنظمة الأساسية للفروع الإسلامية لهذه البنوك في بلاده.
وإلى جانب ذلك حاول تقريب الأحكام الفقهية في المؤلفات القديمة (مثل مختصر خليل بن إسحاق في الفقه) إلى الطلاب والشباب الذين لم يتعلموا في المحاظر، فأخرج أحكام العبادات والمعاملات في قواعد مبسطة.
المؤلفات
له عدة مؤلفات في مجال الشريعة الإسلامية واللغة العربية، منها:
"جدولة علوم القرآن".
"جدولة الفقه الخليلي".
"جدولة أصول الفقه".
"جدولة المنطق".
نظم لأحكام وآداب المسجد.
"الفوائد المهمة في المسائل الملمة"، وهو نظم في فقه النوازل المعاصرة.
له ديوان شعر كبير، كما أن له بعض المؤلفات الخفيفة في بعض القضايا، من أشهرها وأكثرها تداولا نظم "الثقلاء".
الجوائز والأوسمة
شارك في العديد من المؤتمرات الدولية والإقليمية، وأهّلته مكانته العلمية وجهوده الدعوية والبحثية للحصول على العديد من الجوائز والأوسمة، فقد حصل على "وسام كوماندور" وهو أعلى وسام يمنح للشخصيات المدنية في موريتانيا.
كما قلّده ملك المغرب محمد السادس رفقة العلامة الشيخ محمد سالم ولد عدود وشاح الفكر الإسلامي، وكرمته الأمم المتحدة على جهوده في مجال التوعية والنشاط الجمعوي.
الوفاة
توفي حمدن ولد التاه في 12 فبراير/شباط 2024 في العاصمة الموريتانية نواكشوط بعد أعوام من الضعف وملازمة الفراش. وأقيمت له جنازة رسمية حضرها ممثلون عن الحكومة وآلاف المشيّعين.
ودفن في مقبرة المدروم بولاية ترارزة على بعد 120 كيلومترا جنوبي العاصمة نواكشوط.